فصل: أخبار ابن مهدي الخارجي وبنيه وذكر دولتهم باليمن وبدايتها وانقراضها.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن دولة بني الزريع بعدن من دعاة العبيديين باليمن وأولية أمرهم ومصايره.

وعدن هذه من أمنع مدائن اليمن وهي على ضفة البحر الهندي وما زالت بلد تجارة من عهد التبابعة وأكثر بنائهم بالأخصاص ولذلك يطرقها تجار الحرير كثيرا وكانت صدر الإسلام دار ملك لبني معن ينتسبون إلى معن بن زائدة ملكوها من أيام المأمون وامتتعوا على بني زياد قنعوا منهم بالخطبة والسكة ولما استولى الداعي علي بن محمد الصليحي رعى لهم ذمام العروبية وقرر عليهم ضريبة يعطونها ثم أخرجهم منها ابنه أحمد المكرم وولى عليها بني المكرم من عشيرة جسم بن يام من همذان وكانوا أقرب عشائره إليه فأقامت في ولايتهم زمنا ثم حدثت بينهم الفتنة وانقسموا إلى فئتين بني مسعود بن المكرم وبني الزريع بن العباس بن المكرم وغلب بنو الزريع بعد حروب عظيمة قال ابن سعيد: وأول مذكور منهم الداعي بن أبي السعود بن الزريع أول من اجتمع له الملك بعد بني الصليحي وورثه عنه بنوه وحاربه ابن عمه علي بن أبي الغارات بن مسعود بن المكرم صاحب الزعازع فاستولى على عدن من يده بعد مقاساة ونفقات فى الأعراب ومات بعد فتحها بسبعة أشهر سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة وولي ابنه الأغر وكان مقيما بحصن الدملوة المعقل الذي لا يرام وامتنع عليه بعده ابن بلال بن الزريع من مواليه وخشي محمد بن سبا على نفسه ففر إلى منصور بن المفضل من ملوك الجبال الصليحيين بذي جبلة ثم مات الأغر قريبا فبعث بلال بن محمد بن سبا فوصل إلى عدن وكان التقليد جاء من مصر باسم الأغر فكتب مكانه محمد بن سبا وكان نعوته الداعي المعظم المتوج المكنى بسيف أمير المؤمنين فوقعت كلها عليها وزوجه بلال بنته ومكنه من الأموال التي كانت في خزائنه ثم مات بلال عن مال عظيم وورثه محمد بن سبا وأنفقه في سبيل الكرم المرؤات واشترى حصن ذي جبلة من منصور بن المفضل بن أبي البركات كما ذكرناه واستولى عليه وهو دار ملك الصليحيين وتزوج سيدة بنت عبد الله الصليحي وتوفي سنة ثمان وأربعين وولي ابنه عمران بن محمد بن سبا وكان ياسر بن بلال يدبر دولته وتوفي سنة ستين وخمسمائة وترك ولدين صغيرين وهما محمد وأبو السعود فحبسهما ياسر بن بلال في القصر واستبد بالأمر وكان ياسر محمد كثير العطية للشعراء ومن وفد عليه ومدحه ابن قلاقس شاعر الإسكندربة ومن قصائده في مدحه:
سافر إذا حاولت قدرا ** سار الهلال فصار بدرا

وهو آخر ملوك الزريعيين ولما دخل سيف الدولة أخو صلاح الدين إلى اليمن سنة ست وستين وستمائة واستولى عليها جاء إلى عدن فملكها وقبض على ياسر بن بلال وانقطعت دولة بنى زريع وصار اليمن للمعز وفيه ولاتهم بنو أيوب كما نذكر في أخبارهم وكانت مدينة الجدة قرب عدن اختطها ملوك الزريعيين فلما جاءت دولة بني أيوب تركوها ونزلوا تعز من الجبال كما يأتي ذكره.

.أخبار ابن مهدي الخارجي وبنيه وذكر دولتهم باليمن وبدايتها وانقراضها.

هذا الرجل من أهل العثرة من سواحل زبيد وهو علي بن مهدي الحميري كان أبوه مهدي معروفا بالصلاح والدين ونشأ ابنه على طريقته فاعتزل ونسك ثم حج ولقي علماء العراق وأخذ الوعظ من وعاظهم وعاد إلى اليمن واعتزل ولزم الوعظ وكان حافظا فصيحا ويخبر بحوادث أحواله فيصدق فمال إليه الناس واغتبطوا به وصار يتردد للحج سنة إحدى وستين ويعظ الناس في البوادي فإذا حضر الموسم ركب على نجيب له ووعظ الناس ولما استولت أم فاتك على بني جياش أيام ابنها فاتك بن منصور أحسنت فيه المعتقد وأطلقت له ولقرابته وأصهاره خرجهم فحسنت أحوالهم وآثروا وركبوا الخيول وكان يقول في وعظه: دنا الوقت! يشير إلى وقت ظهوره واشتهر ذلك عنه وكانت أم فاتك تصل أهل الدولة عنه فلما ماتت سنة خمس وأربعين جاءه أهل الجبال وحالفوه على النصرة وخرج من تهامة سنة ثمان وثلاثين وقصد الكودا فانهزم وعاد إلى الجبال وأقام إلى سنة إحدى وأربعين ثم أعادته الحرة أم فاتك إلى وطنه وماتت سنة خمس وأربعين فخرج إلى هوازن ونزل ببطن منهم يقال له حيوان في حصن يسمى الشرف وهو حصن صعب ليس يرتقي على مسيرة يوم من سفح الجبل في طريقه أوعار في واد ضيق عقبة كؤد وأصحابه سماهم الأنصار وسمى كل من صعد معه من تهامة المهاجرين وأمر للأنصار رجلا إسمه سبا وللمهاجرين آخر إسمه شيخ الإسلام وإسمه النوبة واحتجب عمن سواهما وجعل يشن الغارات على أرض تهامة وأعانه على ذلك خراب النواحي بزبيد فأخرب سابلتها ونواحيها وانتهى إلى حصن الداثر على نصف مرحلة من زبيد وأعمل الحيل في قتل مسرور مدبر الدولة فقتل كما مر وأقام يخيف زبيد بالزحوف قال عمارة: زاحفها سبعين زحفا وحاصرها طويلا واستمدوا الشريف أحمد بن حمزة السليماني صاحب صعدة فأمدهم وشرط علهم قتل سيدهم فاتك فقتلوه سنة ثلاث وخمسين وملك عليهم الشريف ثم عجز وهرب عنهم واستولى علي بن مهدي عليها في رجب سنة أربع وخمسين ومات لثلاثة أشهر من ولايته وكان يخطب له بالإمام المهدي أمير المؤمنين وقامع الكفرة والملحدين وكان على رأي الخوارج يتبرأ من علي وعثمان ويكفر بالذنوب وله قواعد وقواميس في مذهبه يطول ذكرها وكان يقتل على شرب الخمر قال عمارة: كان يقتل من خالفه من أهل القبلة ويبيح نساءهم وأولادهم وكانوا يعتقدون فيه العصمة وكانت أموالهم تحت يده ينفقها عليهم في مؤنهم ولا يملكون معه مالا ولا فرسا ولا سلاحا وكان يقتل المنهزم من أصحابه ويقتل الزاني وشارب الخمر وسامع الغناء ويقتل من تأخر عن صلاة الجماعة ومن تأخر عن وعظه يوم الإثنين والخميس وكان حنفيا في الفروع ولما توفي تولى بعده ابنه عبد النبي وخرج من زبيد واستولى على اليمن أجمع وبه يومئذ خمس وعشرون دولة فاستولى على جميعها ولم يبق له سوى عدن ففرض عليها الجزية ولما دخل شمس الدولة تورشاه بن أيوب أخو صلاح الدين سنة ست وستين وخمسمائة واستولى على الدولة التي كانت باليمن فقبض على عبد النبي وامتحنه وأخذ منه أموالا عظيمة وحمله إلى عدن فاستولى عليها ثم نزل زبيد واتخذها كرسيا لملكه ثم استوخمها وسار في الخيال ومعه الأطباء يتخير مكانا صحيح الهواء ليتخذ فيه سكناه فوقع اختيارهم على مكان تعز فاختط به المدينة ونزلها وبقيت كرسيا لملكه وبنيه ومواليهم بني رسول كما نذكر في أخبارهم وبانقراض دولة بني المهدي انقرض ملك العرب من اليمن وصار للغز ومواليهم.